في الآونة الأخيرة، انتشر استعمال كلمة (productivity) أو “الإنتاجية”، بينما بدأ انتشارها من الغرب إلى أن بدأ تأثيرها يظهر في وسائل التواصل العربية. ويمكننا تعريف هذه الكلمة ببساطة شديدة على أنها تعنى ببعض الطرق والأساليب التي تساعدنا في زيادة عدد المهام التي نقوم بها خلال وقت معين. فمثلاً إذا كنت أقوم في الساعة الواحدة بمهمتين، فهناك طرق تساعدني للقيام بثلاث مهام في نفس هذه المدة عن طريق عمل هذه المهام بسرعة وبكفاءة عالية واستخدام الأدوات التكنولوجية التي يمكن أن توفر الوقت والجهد وتؤدي إلى نتائج جيدة في نفس الوقت. هذا، ببساطة، هو ما تدور حوله هذه الكلمة.
لكن عندما زاد اهتمامي بهذا الموضوع، تذكرت الكثير من الأذكار والأحكام والفرائض التي يمكن أن نضعها تحت هذا المسمى. بل سنكون منصفين إذا قلنا إن الإسلام كان سابقًا للغرب في بعضها.
فمثلاً هناك كتاب بعنوان “نادي الخامسة صباحاً” للكاتب “روبن شارما” يدور حول الفوائد التي ستحصلها عندما تبدأ يومك مبكرًا، بل يتم تناول هذه الفكرة من قبل الكثير من المصادر الغربية وكأنها فكرة جديدة. لكن عندما ننظر للإسلام، نجد أنه فرض على كل مسلم الاستيقاظ مبكرًا لأداء صلاة الفجر، فهذا فرض وليس اختيارًا. ولم يقف عند ذلك بل نهى عن النوم بعد هذه الصلاة وحث نبينا الكريم ﷺ المسلمين على عدم النوم بعد الصلاة ومباشرة أعمالهم. فقال صلى الله عليه وسلم: “اللهم بارك لأمتي في بكورها”. وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار، وكان صخرًا رجلاً تاجرًا، وكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله.
من هنا رأيت أن مضمون مصطلح “productivity” أو “الإنتاجية” موجود في الإسلام منذ زمن بعيد وليس وليدة اللحظة. بل إن الإسلام يدور جزءًا كبيرًا من شرائعه حول استغلال وتوظيف الطاقات والموارد البشرية استغلالًا سليمًا.
فأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أننا سنسأل عن عمرنا وشبابنا فيما أفنيناهما، بل وعن المال أيضًا من أين اكتسبناه وفيما أنفقناه.
قاعدة مهمة:
سنفصل في ذكر الكثير من الأساليب الإنتاجية الإسلامية في هذا المقال، لكن دعونا نضع قاعدة مهمة أولاً، وهي أن هناك الكثير ممن تلوثت عقولهم وفطرهم بالمادية الغربية، فصاروا لا يولون أي شيء يأتي من ناحية الدين اهتمامًا كبيرًا، بل لا يعطونه اهتمامًا أصلاً. فعندما يسمعون عبارة “آخر الأبحاث العلمية” تكاد آذانهم تقف من شدة الانتباه، ولكن عندما نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، نجد الآذان قد ارتخت والعقول قد غرقت مجددًا في عالم التشتت، وكأن لسان حالهم يقول “سيتكلم عن الدين مجددًا ويخبرنا بتلك الأفكار والأساليب القديمة”. أقول إذا كنت تؤمن بأن الله هو الإله الواحد القادر الحكيم العليم، وأن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذا يلزمك أن تصدقه وأن تعلم أن كل حرف ينطق به رسوله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا خير على خير ونور على نور.
فليس منطقيًا عندما أؤمن أن هذا الرجل هو رسول خالق الكون وبعد ذلك أتجاهل كلامه أو أظن أن كلامه بلا جدوى، بل وأنكره. هذا كله يعد استهزاءً بعقلي. إنني أؤمن بوجود إله قادر وحكيم وخالق، ووجود بشر قد أوحى الله إليهم الكثير من علوم الغيبيات عن باقي البشر، وأن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم حريص على سلامتي في الدنيا والآخرة. ثم بعد هذا الإيمان، أقول لا يصلح كلام هذا الرسول إذا استفدت منه فهو كلام قديم أو لا يواكب التقدم والبحث العلمي الحديث. فإني لو فعلت هذا، أنا أنكر نفسي، فإما أن أؤمن أو أكون صريحًا مع نفسي بأنني لست مؤمنًا بهذا الدين أصلاً.
ولا أعني بهذا أن لا نتبع الأساليب المكتشفة حديثاً أو حتى المطورة على يد الغرب، بل نستفيد منها، لكن
جانب اليقين يكون مع الاساليب الدينية الاسلامية اولا نستفيد منها ومن غيرها ولا نتجاهلها
بعض الأمثلة من الإنتاجية الإسلامية:
حل مشكلة الأرق و النوم:
هناك العديد من المقاطع على اليوتيوب تتحدث عن النوم ومشاكل الأرق وكيفية النوم مبكرًا وكيفية الاستيقاظ مبكرًا وكيفية التعامل مع هذه الأمور.
في الإسلام، هناك دعاء للأرق. إذا شعرت بأنك لا تستطيع الاسترخاء والنوم بسهولة، يمكنك أن تدعو به. ومن الأمور التي تساعد على النوم هي أيضًا الأذكار قبل النوم.
أخرج الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: أُصِيبَنِي أَرْقٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ غَارَتِ النُّجُومُ، وَهَدَأَتِ الْعُيُونُ، وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، أَنِمْ عَيْنِي وَأَهْدِئْ لَيْلِي. فَقُلْتُهَا، فَذَهَبَ عَنِّي.
البحث عن الضالة “الأشياء التي تفقد”:
من المبادئ الإسلامية العظيمة هو الاستشارة والشورى. وهي تشمل استشارة المقربين منا والعلماء في المسائل المهمة في حياتنا والمشاركة في اتخاذ القرار. قال تعالى: “[وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]” (الشورى: 38). وقال: “[وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ]” (آل عمران: 159). وهناك مرحلة أعلى من الاستشارة هي صلاة الاستخارة. في هذه الصلاة، تستشير الله -سبحانه وتعالى- من خلال الصلاة والدعاء لاتخاذ قرار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم. فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه باسمه) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فيسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به.” هذا هو دعاء الاستخارة.
بعض الصحابة كانوا يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الاستخارة بنفس الطريقة التي كان يعلمهم بها السور من القرآن. يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يولي اهتمامًا كبيرًا لصلاة الاستخارة. وكان بعض السلف يقولون بأنهم كانوا يستخيرون الله في كل شيء. فهم يدركون أن الاستخارة تعني أنك تستشير الله، رب العالمين، خالق هذا الكون. لا يمكن أن يفوت هذا الفرصة المؤمن العاقل. هذا هو جزء بسيط جدًا من الأساليب التي تعزز الإنتاجية في الإسلام. ويمكنكم البحث عن المزيد من الأساليب إذا رغبتم. بالنسبة للأحاديث والأدعية التي ذكرتها في هذا المقال، هناك تنوع كبير، ويمكنكم اختيار ما ترغبون فيه أو حتى حفظها جميعًا، وستجدون النجاح بإذن الله.